د. أماني بنت زهير الشهري

قراءة في كتاب: الاستثمار الاجتماعي في القطاع غير الربحي

بقلم: أنس بن إبراهيم جبلي



أولَت رؤية المملكة العربية السعودية 2030م منذ إطلاقها القطاع غير الربحي عناية واهتمامًا انعكس في الأنشطة المشهودة منذ انطلاق الرؤية عام 2016 وحتى اليوم، فقد انطلق المركز الوطنيّ لتنمية القطاع غير الربحي، وأُعيد قراءة التشريعات والأنظمة المؤثرة والمتأثرة بالقطاع وعمله، وأصبح الاتصال بالقطاع ضمن الأجندة المركزية عند الوزارات والهيئات الحكومية، وباتَ الإسهام في بناء قدرات القطاع همًا مشتركًا عند المَعنيين بتكامل أدوار القطاعات الثلاث (الحكومي، الخاص، غير الربحي) لتحقيق مُستهدفات الرؤية الوطنية 2030، ويأتي هذا الاهتمام النوعيّ لما للقطاع من أهمية بالغة في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التنموية في تنمية الدول، ولأنه من أكثر القطاعات وصولًا إلى جميع فئات المجتمع.

وتُعد د. أماني الشهري من المهتمين بالقطاع والمتخصصين فيه، حيث باشرت الاهتمام بالقطاع بشكل عام، ثم انتقلت إلى مستوى التركيز على ملف قياس أثر العمل التنموي من خلال عملها مع عدد من المراكز المتخصصة في قياس الأثر، ثم إلى مستوى موضوع كتابها الذي يُعد تتويجًا لمعرفتها العلمية والعملية، وقد قدمت في هذا الكتاب رؤية مُكثَّفة حول الاستثمار الاجتماعي في القطاع غير الربحي.

أشارت الكاتبة إلى ما يمر به المجتمع السعودي من مرحلة انتقالية نتج عنها تغيرات اجتماعية مُعقَّدة وتحديات اجتماعية جديدة، وما تتطلبه هذه التغيرات مِن تبني أساليب جديدة وِمن انفتاح على جميع الممارسات والتجارب والإستراتيجيات ليتم انتخاب الأنسب منها لواقعنا المحليّ.

تحدثت الكاتبة عن نشأة الاستثمار الاجتماعي: وأشارت إلى أنّ استخدام المعايير الاجتماعية بدأ في الستينيات خلال فترة الاضطرابات الحضرية، وحضر المفهوم بمعناه في تلك المرحلة إلا أنه لم يُقنن كمصطلح إلا في أواخر السبعينيات، ثم بدأ ينتشر مرة أخرى في منتصف التسعينات حيث اُستخدم مصطلح (الاستثمار الاجتماعي) أول مرة من قبل أنتوني جيدنس Anthony Giddens في كتابه (الطريق الثالث). ثم أسهمت منظمة التعاون الاقتصادي (OECD) في تطبيع المصطلح والترويج له حين تَبنَّتهُ، فازدهر في الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا.

يعود تطور الاستثمار الاجتماعي إلى عدة عوامل، منها:

  • تصاعد الاهتمام المستثمرين (مؤسسات، وأفراد) والمنظمات غير الربحية بمعالجة القضايا الاجتماعية على تنوّع مستوياتها وحجمها نوعها.
  • نمو المؤسسات الاجتماعية خلال العقود الماضية بما أسهمَ في ظهور مفهوم الاستثمار الاجتماعي من خلال سعيها لإيجاد طرق مبتكرة وجديدة لمواجهة التحديات الاجتماعية.

     وأكّدت الكاتبة على أنَّ رواج مفهوم الاستثمار الاجتماعي لا يعني يوجد تعريف متفق عليه بين الأكاديميين والممارسين، إلا أنه يُمكن تعريفه بأنه: الاستثمار في مشروعات تهدف الى إحداث إثر اجتماعي إيجابي أولًا، كما أنها مشروعات تسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية، وهي قابلة للقياس.

ونظرًا لحداثة مفهوم الاستثمار الاجتماعي، فقد أشارت الكاتبة إلى أنّ كثيرًا من المهتمين يخلطون بينه وبين مفاهيم أخرى، من ذلك:

  • أولًا: موقع الاستثمار الاجتماعي بين العمل الربحي وغير الربحي: فالاستثمار الاجتماعي يقع في منطقة وسط بين طرفين: الأول: الاستثمار الربحي التقليدي، وهو النشاط التجاري التقليدي الهادف إلى تعظيم أعلى ربح للمُلَّاك والمساهمين، بغض النظر عن أي مصالح أخرى، ويقع في الطرف الآخر القطاع الخيري التقليدي، ويشمل الكيانات غير الربحية التي تسعى إلى تحقيق أهداف اجتماعية، وتقوم مواردها المالية على التبرعات والهِبات والمِنَح والدعم الحكومي، كالجمعيات الأهلية ولجان التنمية، والاستثمار الاجتماعي هو نتيجة المزج بين القطاعين التجاري والخيري في صورتها التقليدية المُشار إليها.
  • ثانيًا: الاستثمار الاجتماعي والابتكار الاجتماعي: يُعرَّف الابتكار الاجتماعي على أنه الابتكار الإبداعي للاستراتيجيات والحلول والأفكار في المجال الاجتماعي، ويشمل ممارسات وأشكال جديدة من التعاون والتنظيم، وأساليب وعمليات وأنظمة وقواعد تم تطويرها؛ من أجل تلبية المطالب الاجتماعية وحلّ التحديات المجتمعية بطرق أكثر مُناسبة من الممارسات القائمة، وعليه فالابتكار الاجتماعي هو العنصر الذي يمكن من خلاله مواجهة التحديات والقضايا الاجتماعية المتغيرة والمعقدة باستمرار، ويتميز الاستثمار الاجتماعي عن الابتكار بأن الاستدامة المالية تقع في عين تركيزه.
  • ثالثًا: الاستثمار الاجتماعي والتمويل الاجتماعي: التمويل الاجتماعي هو المنتجات والخدمات المالية الساعية إلى تحقيق أثر اجتماعي وبيئي إيجابيّ مُستدام، من خلال عدد من الأدوات منها: الاستثمار الاجتماعي، التمويل متناهي الصغر، الخدمات المصرفية والاجتماعية، أدوات الدَين، سندات التمويل التنموي، سندات الأثر الاجتماعي، رأس المال الصبور. وعليه فيُعد الاستثمار الاجتماعي أداة من الأدوات المُستخدمة في التمويل الاجتماعي حيث يتقاطعان في منطقة: تحقيق عوائد اجتماعية وبيئية، إضافة إلى العوائد المالية.
  • رابعًا: الاستثمار الاجتماعي وريادة الأعمال الاجتماعية: تعرف ريادة الأعمال الاجتماعية بأنها توجيه الابتكار والإبداع لتقديم حلول للتحديات الاجتماعية أو البيئية من خلال تطوير مشروعات وشركات مستدامة ماليًا ذات نموذج عمل تجاري ربحي أو غير ربحي يصنع أثرًا اجتماعيًا مستدامًا، فالاستثمار الاجتماعي يوظف رأس المال الخاص لمعالجة التحديات الاجتماعية بطرق مبتكرة، مع تحقيق النمو الاقتصادي، ولكن لا يمكن للاستثمار الاجتماعي أن يتحقق مالم توجد الفرص الاستثمارية والبيئية المناسبة لممارسته.

هدف الاستثمار الاجتماعي:

انتقلت الكاتبة للحديث عن أهداف الاستثمار الاجتماعي، وذكرت أن من أهدافه تسليط الضوء على العائد من رعاية الطفولة المبكرة، والتعليم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، ومحاربة الفقر، وتأهيل المواطنين لمتطلبات العمل في الاقتصاد المعرفي.

عناصر الاستثمار الاجتماعي:

ذكرت الكاتبة أربعة عناصر ترى أنها مكوّنات أساسية للاستثمار الاجتماعي، وهي:

  1. النية: حيث ترى أن إحداث الأثر هو النية الأساسية للمستثمر الاجتماعي.
  2. عوائد مالية: فالاستثمار الاجتماعي يسعى للاستدامة من خلال الحصول على عائد مالي من الاستثمارات.
  3. مجموعة مختلفة من فئات الأصول: أن الاستثمارات الاجتماعية يمكن أن تكون فئات مختلفة من الأصول والأدوات المالية.
  4. قياس الأثر: لابد للمستثمر من قياس الأثر، وكتابة تقارير عن الأداء الاجتماعي والبيئي الناتج عن الاستثمار.

انتقلت الكاتبة للحديث عن الجانب التطبيقي، وذكرت خطوات الاستثمار الاجتماعي، ومن ذلك:

  1. تحديد أصحاب المصلحة: فعلى المستمثر تحديد أصحاب المصلحة، ومحاولة إشراكهم في العمل؛ لأن ذلك سيُسهم في تعظيم مخرجات الاستثمار الاجتماعي.
  2. المستثمرون: فلابد من توجيه تركيز المستثمرين إلى تحقيق الأثر الإيجابي، فهذا هو الهدف الأساسي من الاستثمار.
  3. تقييم الفرص الاستثمارية: وهناك محوران رئيسان في عملية التقييم وهما:
  4. تقييم الأثر والتغيير الاجتماعي، والتأكد من جدوى المشروع اجتماعيًا.
  5. تقييم الأداء المالي، ويشمل الجدوى المالية والفنية والتسويقية.

4.الاستثمار الأمثل: يُحدد نوع الاستثمار المناسب والذي يختلف من مشروعٍ إلى آخر، فيُدرس الأنسب إن كان استثمار كامل، أو استثمار قصير المدى مع نية التمليك، أو شراكة تناقصية، أو استثمار وقفي، أو استثمار تكافئي.

5- المتابعة والحوكمة: متابعة وتقييم التقدم الحاصل في الاستثمار ومعرفة مدى فاعليته وكفاءته.

6– قياس الأثر: التحقق من وجود التغيير الاجتماعي الذي يهدف إليه الاستثمار الاجتماعي، وعوامل تحقق هذا الأثر، أهو من المشروع نفسه أم أن ثمة عوامل أخرى أسهمت فيه، إلى غير ذلك مما يتعلق بقياس الأثر.

مبادئ الاستثمار الاجتماعي:

أشارت الكاتبة إلى مجموعة من المبادئ، وقد استُنتجت هذه المبادئ من مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة التي تدعو لمواءمة استراتيجيات الشركات وعملياتها مع حقوق الإنسان والمحافظة على البيئة واتخاذ الإجراءات التي تعزز الأهداف المجتمعية وتحقق أهداف التنمية المستدامة، وتتمثل هذه المبادئ في أنّ الاستثمار لابد أن يكون هادفًا، وذا مسؤولية، ويراعي المجتمعات المحلية، وأن يكون أخلاقيًا.

سوق الاستثمار الاجتماعي العالمي:

انتقلت الكاتبة للحديث عن حجم السوق العالمي للاستثمار الاجتماعي، وأكدت أنه لا يوجد تحديد دقيق لحجم هذا السوق، و تُشير بعض التقديرات إلى نمو هذا السوق عالميًا، فتُشير الأرقام إلى أنه من 114 بليون دولار في عام 2016م حتى بلغ 502 مليار دولار عام 2018م ، ووصلت في عام 2020م 715 مليار دولار أمريكي ، تُديرها أكثر من 1340 مؤسسة، ويتمركز أكثر من نصف هذا السوق في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وأكثر من الربع في شمال وغرب وجنوب أوروبا، بينما لا يجاوز نصيب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من 1% من هذا السوق.

هذا الحديث عن حجم السوق، دعا الكاتبة للحديث عن الآلية المستخدمة لتحقيق الاستدامة المالية في مشروعات الاستثمار الاجتماعي، وذكرت أن أكثر الأدوات المالية انتشارًا في سوق الاستثمار الاجتماعي العالمي في 2020م هي الدَين من خلال صناديق الدَين الخاص، أو من خلال التمويل متناهي الصغر، وكذلك بعض المؤسسات تستخدم الأسهم أو التمويل المختلط، أو أدوات الدفع مقابل النتائج (السندات)، هذه التمويلات فرضت على المؤسسات خَلْق أساليب لتحقيق العائد المالي، مثل فرض الرسوم مقابل الخدمة، والمنتجات، والخدمات، ورسوم العضوية، والأصول الملموسة وغير الملموسة، وأرباح الاستثمار، وأنشطة الأعمال غير المرتبطة.

تحديات الاستثمار الاجتماعي:

انتقلت الكاتبة للحديث عن التحديات التي تواجه العاملين في مجال الاستثمار الاجتماعي، ومن هذه التحديات:

  1. تحديات متعلقة بالجوانب المالية، حيث يشكل نقص رأس المال لهذا النوع من الاستثمار تحديًا، ويرجع ذلك إلى قلة إلمام رؤوس الأموال بهذا النوع من الاستثمارات للخوض فيه، إضافة إلى عدم وجود أرضية فَهم مشتركة تُعين على استيعاب السوق وتعقيداته.
  2. عملية الاستثمار الاجتماعي نفسها، فالغموض لدى المستثمرين الاجتماعيين أنفسهم حول كيفية الاستثمار الاجتماعي وغياب المعالم الواضحة التي تسمح لهم بالدخول فيه بثقة، كما يواجه المستثمرون الاجتماعيون العديد من القيود عند محاولتهم القيام بهذا النوع من الاستثمار.
  3. صعوبة قياس الأثر، ليس كل استثمار ينطوي على قياس فعال للتأثير في المجتمع ولا على درجة الأفضلية بينهما: وذلك راجع لعدم وجود معايير متفق عليها على نطاق واسغ في قياس الآثار الاجتماعية والبيئية.
  4. ضعف البيانات، فغياب الأبحاث العلمية ونقص الشفافية والممارسات الجيدة والتجارب الناجحة للتعلم منها. وقلة دعم الحكومات لهذا النوع من الاستثمار، وقلة الابتكارات لمواكبة حاجات المجتمعات، وعدم توفر الخبراء أصحاب الكفاءات المناسبة لإدارة هذا النوع من الاستثمارات، كل هذا يمثل تحديات كبيرة للمجال.

تاريخ قياس الأثر:

يعد قياس الأثر من أهم عناصر الاستثمار الاجتماعي، ولذلك عرجت الكاتبة باستعراض تاريخ هذا المفهوم، وذكرت أن بدايات قياس الأثر كان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969م وذلك في قانون السياسة البيئية الوطنية. ثم في عام 1973م حيث أُنشِئَ خط أنابيب في ألاسكا ولوحظ تغير في عادات السكان، واتضحت الحاجة إلى تقييم العوامل الاجتماعية والبيئة لتلك المشروعات، ونتيجة لذلك ظهرت منهجية تقييم الأثر الاجتماعي (Social Impact Assessment) أو ما يعرف بـ (SIA).

وفي منتصف التسعينات قام جورج روبرتس بإنشاء مؤسسة روبرتس لتطوير المشروعات، وأنشأَ إطار خاص بالمؤسسة لمراقبة استثماراته الخيرية بحيث يراعي العوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لاستثماراته، وقام بتوثيق تلك المنهجية في عام 2000م وهي منهجية العائد الاجتماعي على الاستثمار (Social Return On Investment) وهي ما يعرف بـ (SROI) حيث يًعد روبرتس من رواد قياس الأثر. وأطلقت في عام 2008م شبكة العائد الاجتماعي على الاستثمار، ونُشِرَ دليل العائد الاجتماعي على الاستثمار في 2009م.

الهدف من قياس الأثر:

يعد الهدف الرئيس لقياس الأثر مساعدة صناع القرار على تقييم مزايا الاستمرار في استثمارهم الاجتماعي أو تحسينها واتخاذ قرارات بشأنها، كما يساعد على تجنب ما يسمى ظاهرة (غسل الأثر) حيث يتم فيها استخدام لغة الاستثمار الاجتماعي وادعاء المؤسسات إحداث أثر اجتماعي إيجابي لعملها بدون وجود أي نتائج على أرض الواقع. كما يعمل على تحقيق الاستدامة المالية في المنظمات غير الربحية حيث يتم تزويد المانحين والممولين بتقارير قياس الأثر وإقناعهم بأهمية الاستمرارية في المنح. ويحقق المساءلة والشفافية على الموارد المالية للمنظمات.

مراحل قياس الأثر:

ذكرت الكاتبة أن معرفة الأثر لا يقتصر على تحديد الأثر عند الانتهاء من المشروع من أجل قياسه، بل يمكن العمل على ذلك من المراحل الأولى في المشروع في الجوانب التالية:

  • تقدير الأثر: ويكون أثناء وضع خطة المشروع بتحديد الأثر الاجتماعي المراد الوصول له.
  • التخطيط للأثر: ويكون خلال وضع خطة الاستثمار الاجتماعي
  • رصد الأثر: يكون طوال فترة الاستثمار باستخدام بعض منهجيات قياس الأثر لرصد التقدم.
  • تقييم وقياس الأثر: ويكون في نهاية المشروع ودورة الاستثمار الاجتماعي.

المنهجيات والأدوات المستخدمة في قياس الأثر: انتقلت الكاتبة بعد ذلك للحديث عن المنهجيات المستخدمة لقياس الأثر، ومن أشهرها:

أولا: نظرية التغيير (Theory of Change)

ويطلق عليها نظرية التفكير في التغيير، عبارة عن شرح كيفية ترابط مجموعة من النتائج على المدى القصير والمتوسط تمهيدًا للوصول للهدف بعيد المدى، تُبنى فيها العلاقات بين المدخلات والمخرجات والنتائج والأثر على أساس علمي وبراهين مما يساعد على تقليل المخاطر الناتجة عن التجربة.

وبالنسبة لموقعها في دورة حياة المشروع فتُستخدم عند تصميم المشروع، وذلك من أجل التخطيط لتقييم الأثر والتأكد من مدى ملاءمة وشمولية ودقة الأثر المراد تحقيقه، وفي مرحلة التقييم حيث توفر قاعدة جيدة لمراجعة مرحلية أو تقييم للنتائج الفعلية.

ثانيا: الأبحاث التجريبية وشبه التجريبية (Experimental and quasi-experimental research)

تعتبر الطرق التجريبية الفئة الأكثر صرامة والمعيار الذهبي في التقييم، حيث تقوم فكرتها على معالجة مُخططة ومنضبطة لبعض العوامل، وذلك لملاحظة العلاقة المتبادلة بينهما بإدخال التغيرات معتمدًا على بعض العوامل، وملاحظة ما ينتج عنها من تأثيرات على أرض الواقع، وعلى الرغم من قدرة الأبحاث التجريبية وشبه التجريبية على اختبار تأثير نظرية التغيير إلا أنها لا تستخدم على نطاق واسع من قبل معظم المستثمرين الاجتماعيين، ويرجع ذلك إلى تكلفتها العالية واستهلاكها للموارد مقارنة بالمنهجيات الأخرى، إضافة لعدم مناسبتها لكثيرٍ من المواقف والموضوعات والمجتمعات.

ثالثا: منهجية العائد الاجتماعي على الاستثمار (Social Return on Investment)

إطار عمل يستند إلى مبادئ المحاسبة المقبولة بشكل عام اجتماعيًا، والتي يمكن استخدامها للمساعدة في إدارة وفَهم النتائج الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، حيث تقوم عملية تحليل SROI من خلال ما يسمى نسبة SROI هذه هي النسبة بين قيمة المنافع وقيمة الاستثمار.

تحديات قياس الأثر: ورغم أهمية قياس الأثر في مجال الاستثمار الاجتماعي، إلا أنّ الكاتبة ذكرت جملة من التحديات التي تواجه هذه العملية، ومنها:

  1. البيروقراطية المفرطة: حيث تُبطئ عملية صنع القرار في المنظمة التي يجب أن تكون سريعة في الاستجابة لحاجات المجتمع.
  2. مفهوم الأثر: لا يزال مفهوم الأثر مفهومًا مرنًا غير واضح عند الكثير من العاملين في هذا المجال.
  3. أصحاب المصلحة: يعد التعامل مع جميع أصحاب المصلحة تحديًا.
  4. منهجيات قياس الأثر: تتعدد المنهجيات وتتنوع لقياس الأثر مما يسبب حالة من الإرباك.
  5. انخفاض الحوافز من المستثمرين.
  6. نقص البيانات: وعدم توفر بيانات كافية يمكن الاعتماد عليها
  7. الفترة الزمنية: بعض المشروعات تحتاج إلى وقت زمني طويل لقياس أثرها.
  8. الذاتية: تدخل الأحكام الذاتية البعيدة عن الموضوعية ضمن سياق المشروع أو المنظمة أو البيئة الاجتماعية.

وختمت الكاتبة كتابها الرائد بالتأكيد على وجود الاختلاف والتباين في مفهوم الاستثمار الاجتماعي عند العاملين في القطاع غير الربحي، وأن أهم دوافع المؤسسات المانحة لتبني الاستثمار الاجتماعي كأسلوب رئيس في عملها تمثلت في تحقيق الاستدامة المالية للجمعيات الأهلية، وتعظيم أجر الموقفين.

واتضح للكاتبة أن استهداف مشروعات الاستثمار الاجتماعي في الدراسة التي قامت بها كان مًركزًا على قضيتين: الفقر والطفولة، كما تبين وجود نموذجين للاستثمار الاجتماعي عند المؤسسات المانحة: الأول يبدأ من الجهات المنفذة ويخرج بصورة مشروع استثمار اجتماعي، والنموذج الثاني يبدأ من المؤسسة المانحة نفسها ويخرج غالبًا بصورة كيان استثمار اجتماعي.

وترى الكاتبة أن مشروعات الاستثمار الاجتماعي مشروعات عالية المخاطر، كما تبين للباحثة أنّ القروض متناهية الصغر ورسوم الاشتراك مقابل الحصول على الخدمة وبيع المنتجات في الأسواق التجارية والدخول كشريك تشغيلي مع المستفيدين هي الأساليب المستخدمة لتحقيق الاستدامة المالية في مشروعات الاستثمار الاجتماعي.

وخلصت إلى أنّ ثلث المؤسسات المانحة تقوم بقياس الأثر، أما بالنسبة لأسباب عدم قياس الأثر فترجع إلى الاكتفاء بالأثر المشاهد، ولصعوبة وتعقيد عمليات القياس، ولعدم المعرفة الكافية بآلياته، ولتكلفته المالية العالية.

وفي ضوء ما توصلت إليه الكاتبة أثناء اطلاعها على عدد من المشروعات في مجال الاستثمار الاجتماعي خرجت بجملة من التوصيات، منها:

  1. توصي الجهات المعنية بالقطاع غير الربحي ممثلة بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، والهيئة العامة للأوقاف، ومجلس المؤسسات الأهلية، ومجلس الجمعيات الأهلية بإصدار دليل بالمفاهيم الحديثة والممارسات الحديثة في القطاع ليتم اعتماد مفهوم وطني للاستثمار الاجتماعي.
  2. توصي الكاتبة بوضع أنظمة متابعة صارمة من قبل المؤسسات الأهلية (المانحة) على تنفيذ الجهات.
  3. توصي الكاتبة بتعميم وإبراز الممارسات الإيجابية في متابعة المشروعات مثل المجلس الإشرافي وتوثيقها وطرحها في الملتقيات والمؤتمرات وفي المواقع الإلكترونية للمؤسسات بما يسهم في الإثراء المعرفي.
  4. توصي الكاتبة بتطوير أنظمة مَنْح خاصة بمشروعات الاستثمار الاجتماعي في المؤسسات المانحة بحيث تحتوي شروط المنح كافة العناصر المتطلب توفرها في مشروعات الاستثمار الاجتماعي والمتعلقة بإحداث أثر اجتماعي.
  5. توصي الكاتبة بأن يحظى العاملون في القطاع غير الربحي في المناطق الطرفية باهتمام خاص من قبل الجهات المعنية بالقطاع غير الربحي ممثلة في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي من حيث تطويرهم وتأهيلهم بالمهارات والمعارف اللازمة وفق ما يتطلبه العمل في القطاع غير الربحي بشكل عام، إضافة إلى تطوير الموارد البشرية بشكل عام في قياس الأثر.
  6. توصي الكاتبة بتهيئة البيئة التشريعية وذلك بتحديث الأنظمة ذات العلاقة ووضع استثناءات فيها للمؤسسات في القطاع غير الربحي بما يسهم في تحفيز المؤسسات ورجال الأعمال لإحداث أثر إيجابي في المجتمع يسهم في رفع مستوى إسهام القطاع غير الربحي في التنمية الاجتماعية.
  7. توصي الكاتبة بأهمية مواكبة الجامعات للمعارف الحديثة سواء في مناهجها الدراسية أو في إنتاجها العلمي بحيث يواكب ما يتطلب الميدان.

ورغم أن عينات البحث كانت محدودة من جهة عدد المؤسسات أو من جهة المشروعات المختارة لظرف وواقع المشهد السعودي، إلا أن الكتاب يُعد محاولة جادة وجيدة من الكاتبة، وفيه فتح باب للجهات الكبرى في القطاع غير الربحي لوضع الاستثمار الاجتماعي ضمن إستراتيجياتهم القادمة، ونرجو أن يكون لبنة في بناء صرح الاستثمار الاجتماعي في هذا البلد المعطاء.